40 سنة.. ماذا بعد؟!

في أحد الأيام الماضية، كنت واقفاً أنتظر صهريج الماء لملء خزان العمارة التي أسكن فيها، وخلال وقوفي على عتبة منزلي إذا بفتى لا يتجاوز عمره 15 عاماً يأتي مشياً من نهاية الشارع وهو يحمل أغراضاً، وفي لحظة مفاجئة أثارت استغرابي وغضبي بنفس الوقت وأيضا امتناني الغريب هو قيام هذا الفتى وبشكل غريب جدا بالوقوف لحظة عندي والسلام على وتقبيل رأسي قائلاً ” كيفك ياعم”؟

في لحظة صمت مطبق ومع إكمال الفتى سيره كنت في لحظة من اللحظات أرغب باللحاق به وتأنيبه على قبله لا أستحقها وبنفس الوقت جعلني من مصاف كبار العمر والذين نقدرهم ونحترمهم من خلال تقبيل رؤوسهم .. كما فعل هذا الفتى معي.

هذه القصة الطريفة التي حدثت لي مع الفتى تذكرتها عندما علمت بأني وصلت عمر الأربعين هذا الأسبوع، تذكرت فيها بأني كبرت وأني لابد أن أعيش مع هذا الواقع، وأن لا أتفاجئ إن كرر هو أو غيره تقبيل رأسي في كل مرة.

لا تتوقع من دخولك لهذه التدوينة ستجد احتفالا لأني وصلت في هذا الأسبوع عمر الأربعين، فوصول الفرد إلى هذا العمر يجعله أمام واقع تغيير لكثير من الأشياء، فخططك المستقبلية وعملك وحياتك الأسرية أصبحت أهم من أي شيء آخر، ففي عمر الأربعين تصبح غارق في هم كيفية البحث عن راحة عائلتك قبل راحتك الخاصة.

بالأمس دخلا بناتي البكر نورا ولارا يباركان لي وصولي لهذا العمر بقبلة على اليد والرأس، وكان هذا نوع من الاحتفال منهم بوالدهم، ولقد احتفلت معهم ولكن بداخلي حزن ونوع من الضيق.

حزني يكمن بأن وصولي لهذا العمر يعني أن بناتي كبروا، وهذا شيء لا أطيقه، كنت دائما أقول لزوجتي بأني أتمنى ألا أشاهد بناتي يكبرون ويكونوا دائما بعمرهم الصغير، ولكن هذا أمر لا يمكن أن يحدث ويجب أن اتعايش مع مرور الوقت السريع والبدء لاستعداد لانشغال بناتي في حياتهم الخاصة والبعد عني.

هذا الحزن يتمحور حول الخوف من الوحدة والتي قد يراها البعض شيئاً تافهاً ولكن كلما كبرت بالعمر عرفت عظم هذا الأمر، الوحدة شيء مخيف جداً وكما يقول أحد الأصدقاء الإنسان يخاف من الوحدة أكثر من خوفه من الموت.

فالوحدة هي أنه كلما كبرت بدأت تصغر دائرة الأصدقاء لأنهم هم أنفسهم يكبرون ويمرون بنفس حالتك، وأيضا يحدث هذا الشيء مع أطفالك والذين يكبرون وتبدأ تتسع دائرة الاهتمام لهم، فبعد أن كنت لديهم الشيء الوحيد الجدير بالاهتمام إلا أنك تجد نفسك من ضمن قائمة طويلة من أولوياتهم.

تذكرت قبل شهر من الآن زواج أختي لبنى وهي أصغر فرد بعائلتنا وآخر من يتزوج من أبناء وبنات والدي، خلال حفل زواجها وفي لحظات الزفة شاهدت والدي في لحظة حزن وبكاء مما جعل اختي لبنى تبدأ بمسح دموعه خلال لحظة تتصادم فيها مشاعر الفرح بين الحضور وحزن والدي.

هذا الحزن الذي أصاب والدي لا يخرج أبداً عن إطار الشعور بالوحدة، فهو يرى آخر أبنائه (أو أطفاله، فالأبناء والأمهات يرون أبنائهم أطفالاً مهما كبروا) يتزوج ويترك البيت، كانت لبنى في البيت هي الصديقة والمساعدة له ولأمي، والآن لم يبق من البنات أحد، فالكل تزوج وذهب في سبيله.

عندما استيقظت وانا في أول يوم في الأربعين يبدأ عقلك وجسمك بمحاسبتك عن فرص ضيعتها، فرص إكمال الدراسة، فرص تحسين وضعك الوظيفي، فرص الاستثمار، فرص الاهتمام باللياقة والصحة، فرص السفر والسياحة. هنا تدخل في مراحل الندم وترغب بالتعويض عن كل ما فاتك أو بعضه بأسرع وقت قبل أن تصل لعمر لا يمكن القيام به بأي شيء.

ورغم ذلك فإن هنالك حسنات لوصولك لهذا العمر، كحسنة البحث عن الهدوء والسكينة والبحث عن ما يفيد بعيداً عن الدخول في مشاكل تافهة أو حوارات وجدال لا يغني ولا يسمن من جوع، حتى لاحظت على نفسي أنني أصبحت لا أهتم إلا بما أرغب بمعرفته من علم أو تقنية جديدة أو مشاهدة من وسيلة ترفيه وأهرب من كل ما يثير الكآبة في نفسي مثل متابعة السياسة، حتى في استخدامي للشبكات الاجتماعية اختلف عن السابق، فكل ما أقوم به هو أن أنشر معلومة مفيدة إما في تويتر أو سناب شات ومن ثم أهرب بسرعة حتى لا أدخل في جدال يجلب لي الصداع و يغير مزاجي.

في الختام، شكرا للشاب الذي قبل رأسي من باب الاحترام والتقدير وتباً له إن كانت القبلة لأنه نظر إلي بأني شايب.